الرئيسية|نور الرياض|النسخة الثانية 2022

نحلم بآفاق جديدة

شعار المعرض: من الشعاع إلى الشغف

وصف

إذا كان هناك دروس استخلصناها من حالة عدم اليقين التي مررنا بها منذ ظهور جائحة فيروس كورونا؛ فأهمها على الإطلاق هو إدراكنا أننا كبشر قادرون على التحمل والتكيّف، وأحلامنا لا يمكن كبتها. يعود نور الرياض في نسخته الثانية المعنونة "نحلم بآفاق جديدة"؛ احتفال سنوي بالفن والضوء يملأ سماء العاصمة السعودية تكريمًا لتلك الأحلام المتأصلة في نفوسنا. إن الأفق الذي تشرق منه الشمس، معلنة عن بداية يوم جديد والفرص التي يتيحها، يمثِّل الوجهة التي قد نتطلع إليها باحثين عن الفن في مواجهة وتشكيل ما هو كائن وما سوف يكون. يشع لضوء من أحلامنا متجليًا في حياتنا الواقعية، وهو ما نراه الآن متجسدًا في جميع أنحاء الرياض في هيئة استكشاف الفنانين لما تلعبه قوة الضوء من دور في تخيل تلك المستقبلات المحتملة، من خلال مجموعة متنوعة من الممارسات الفنية المختلفة. يعد نور الرياض بلا أدنى شك سببًا للاحتفال على أرض الوطن إنما أيضًا إنجازًا ملحوظًا على نطاق عالمي في نطاقه وطموحه. يضم الاحتفال هذا العام حوالي 190 عمل فني تُعرض في الأماكن العامة، والتي صُممت معظمها خصيصاً للاحتفال. تتنوع الأعمال في رقتها وروعتها وتشمل كلًًا من التجارب الغامرة والمجسمات والأعمال التركيبية المضيئة والضخمة والتي يمكن رؤيتها من جميع أنحاء المدينة. اجتمع الفنانون من جميع أنحاء العالم، بما فيهم الأصوات الدولية التي لا تتواجد عادةً في الرياض ويقل ظهورها على الصعيد الدولي، لمشاركة مجموعة متنوعة من الرؤى والأفكار التي يمكن من خلالها الوصول إلى آفاق فنية جديدة. لكن في حين أن الاحتفال يجمع قائمة من الفنانين العالميين والسعوديين للتفاعل مع الضوء والفن، فإن نور الرياض تشير بشكل مباشر أكثر إلى الضوء الأصلي للرياض، مما أدى إلى المشاركة مع المدينة نفسها. إن الرغبة في أن يكون الاحتفال على مستوى المدينة حقًا وفي متناول جميع مواطني الرياض وزوارها يمكن ملاحظته في مدى وصوله إلى ما وراء الوجهات السياحية والمناطق التجارية الصاخبة إلى الحدائق العامة في الأحياء الأقل شهرة والأقل ثراءً في المدينة.

إن الحصول على مثل هذا العرض الكبير من الفن العام هو أمر غير مسبوق في المملكة وهو بحد ذاته أفق جديد لجيل السعوديين الذي ينتمي إليه العديد من المنظمين والفنانين والجمهور. من خلال الإيقاع المنتظم لتعاقب الليل والنهار، يشكل ضوء الشمس بقوته ودفئه حيوات الناس حول العالم، وبذلك يصبح الضوء لغةً عالميةً قادرةً على تخطي الثقافات والحدود والتجارب، مما يجعله وسيلة فنية قوية ومؤثرة تلائم بشكل عظيم ممارسات الفن العام إذ تعطي الفرصة لأولئك الأقل دراية بالفنون ليعيشوا تجربة قادرة على أن تبقى في ذاكرتهم مدى الحياة وتنقل إليهم فهمًا فطريًا للضوء وصفاته وتأثيراته المختلفة. توفر التقاليد، دينية كانت أو علمانية، أرضية مناسبة لمثل تلك الاستكشافات، سواء أكانت بإضاءات القرآن الكريم أو أهمية الضوء في العمارة الإسلامية، أو إرث فنون الضوء التي ألهمت أضوائها النيون أعمال الفنانين برتران لافييه وفرنسوا موريليه التي تتضمن نسخة هذا العام من الاحتفال أعمالهم على الرغم من كونية الضوء، إلا أن اختلافه يتضح بمرور الزمن خلال اليوم أو بين الفصول، ومميزاته تظهر مع الخصوصية الجغرافية للمواقع. في الرياض، تلك المدينة الواقعة على حافة الصحراء حيث تتميز الشمس بضوئها الساطع وحرارتها، كان لجودة الضوء أثرًا كبيرًا ظهر في كل شئ، بدءًا من النباتات والحيوانات المحلية ولغتها المعمارية الخاصة وصولًًا إلى حركة الناس في المدينة ومناظرها الحضرية. في تاريخ أكثر حداثة، كان لاكتشاف النفط في المملكة أثرًا ترتب عليه التطور السريع للمدن السعودية، مثل الرياض، التي شهدت وفرة واهتمام في الإضاءة الليلية. ولطالما كانت إضاءة المدينة الحديثة تعكس بُعدًا وظيفيًا قويًا وانحيازًا لما هو استهلاكي على ما هو تعميري. بالمقابل يوجد أيضًا تاريخًا طوي لًًا لإضاءة المدن من أجل المتعة والمشاهدة وهذا ما يعتمد الاحتفال عليه ليخلق منظورًا جديدًا عن الفضاء الحضري للرياض تتجاوز فيه الإضاءة من أجل الخيال الإضاءة من أجل الإنتاج. يقدم "نور الرياض" فرصًا جديدة للاستكشاف الفني لمجموعة ديناميكية من الفنانين المحليين والدوليين في مدينة الضوء.



يضم احتفال نور الرياض هذا العام 25 فناناً من المملكة العربية السعودية بينهم شخصيات أساسية في تاريخ الفن السعودي القصير نسبيًا بالإضافة إلى عدد من الفنانين الناشطين ذوي النشاط الفعلي في المشهد الفني سريع الازدهار في المملكة. تظهر أعمالهم التي تتناول وتستخدم الضوء كموضوع ووسيط فني قدرتهم على سبر الأسئلة الدائمة لجيلهم من الفنانين السعوديين مع إضفاء المعرفة الضمنية بالمدينة وثقافتها على الاحتفال. أما بالنسبة للفنانين العالميين القادمي إلى الرياض، فإن كل منهم سيضيف من خلال علاقته الخاصة بالضوء عمقًا يبرز اختلاف تلك العلاقة بين قاطني شمال وجنوب خط الاستواء. تتميز النسخة الثانية من نور الرياض بتعدد الأصوات. من بين المساهمات الدولية يضئ طموح وجرأة الفنان والملحن نويل أبيتا أعما لًًا فنية مبهرة، بينما تسعى شركة باتش للمسرح إلى تسليط اهتمامها على تنمية خيال الأطفال باحثة في الوقت ذاته عن الطفل بداخلنا. يبسط ديفيد ديفيد سبريجز الأفاق لنا من خلال التقنية الخاصة به في سلسلة ستراتكروم، بينما يستغل آخرون إمكانات التكنولوجيا لتحقيق تأثير مذهل. يحضر كل فنان منهم أعما لًًا جذابة ومذهلة ومليئة بالتحديات. إذا كان الضوء هو وسيط الرياض، فإن المدينة نفسها تلعب دورين مهمين في ذات الوقت لتكون كلوحة الكانفاس البيضاء وكمعرض بدون جدران، وهو مفهوم يظهر في عمل آرني كوينز في الصحراء وعمل جريمانيسا أموروس التركيبي الضخم المعروض في الحي الدبلوماسي والتي تركز على النسيج المجتمعي للمدينة تحاول دمج السكان المحليين مع الزوار. يأخذ التنظيم القيمي للاحتفال بعين الاعتبار الأماكن المختلفة التي يمكن العثور فيها على الأعمال الفنية على وجه الخصوص. بعيدًا عن الأضواء والميادين الأكثر سطوعًا في وسط المدينة، جذبت المناظر الطبيعية في المدينة عددًا من الفنانين. توفر طبيعة المياه العاكسة فرصة خاصة للعمل مع الضوء، ليثري المشهد أهمية تاريخية لمدينة استمدت اسمها من كلمة الرياض التي تعني الحدائق والمروج، إشارة إلى الخصوبة التاريخية للوديان التي تمتلئ المياه في الفترات الممطرة والتي تأسست حولها المدينة. سيكون المقيمون في الرياض اليوم على دراية بالأراضي الرطبة التي تم ترميمها حديثًا في وادي حنيفة ووادي نمار، والتي تضم الآن مركزًا لمعالجة المياه الطبيعية، وهو مشروع حائز على جوائز يمثل جزءًا مهمًا من البنية التحتية للمدينة. جذب جمال هذا الموقع من المدينة انتباه عدد من الفنانين، مثل جيزيلا كولون بعملها التركيبي "ألف مجرة ضوئية"، بينما وجدت أعمال أخرى طريقها إلى حدائق الأحياء الأصغر الموجودة في جميع أنحاء المدينة ليتم عرضها بها. تعد قدرة الفن العام على تجديد الفضاء الحضري ظاهرة تتجلى في جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من أن السياق المحدد لكل موقف يؤثر على كيفية حدوث ذلك، فإن دور الفن كنقطة البداية التي تتدفق منها موجات التغيير الأوسع يبدو واضحًا.

وضع الرياض فريدًا من نوعه، فبدلًًا من تكرار ما يوجد في غيرها من أماكن، يطرح نور الرياض تساؤلًًا أكثر جرأة حول ما يحدث بناءًا على قرار تركيب أعمال فنية مصممة خصيصاً لموقع عرضها عبر جميع المجتمعات لتعيد تخصيص المساحة الحضرية من خلال تقديم الفن العام في مدينة لطالما كان الوصول إليها محدودًا في السابق. ولأن أول الغيث قطرة، يأتي نور الرياض احتفالًًا في المدينة بالفن والضوء، فكيف للغيث أن يندفق؟ هذا ما سيتضح في السنوات القادمة، فقد يؤدي إلى استثمار يطور مبان ومرافق جديدة لأحد الأحياء، أو ربما يشعل خيال الأجيال القادمة من الفنانين السعوديين بالنظر إلى نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن الأربعين. بينما يكون الاحتفال نفسه مؤقتًا يحول المدينة إلى متحفًا مفتوحًا، سيكون هناك أيضًا عدد من ورش العمل التشاركية والتعليمية التي يقدمها الفنانون المشاركون. تكمن قوة الضوء في جعل الأشياء مرئية، أو إظهارها لشيء ما "في ضوءٍ جديد"، لتجعل منه أداة تجديدية للمدينة ولسكانها بفضل الفنانين وأعمالهم. تظهر عبارة "إن شاء الله كله بيتصلح" مضيئة في عمل أيمن يسري ديدبان في ميدان الكندي ليعيد صياغة مشهد مألوف، بينما يتداخل عمل تاداشي كاواماتا مع المنظر المعماري لحي الملك عبد العزيز المالية فيما يخلق تباينًا بصريًا من خلال إدخال عناصر طبيعية خام في شكل أعشاش إلى الخلفية الصناعية التي هي من صنع الإنسان. مذهلة هي العديد من أعمال الاحتفال، تبهر الحواس بالألوان، أو كما هو الحال في أعمال دوغلاس جوردون، تعطي شكلًًا لمفاهيم غير ملموسة مثل سرعة الضوء، بينما يحتفي آخرون بلحظات حياتية أكثر تواضعًا. تخلد بشائر هوساوي في أحد أعمالها ذكرى الممارسة الأمومية في حفظ الليمون بتجفيفه في الشمس في مجسمًا نحتيًا عامًا تعطي من خلاله لممارسة يومية تواجدًا مرئيًا في المدينة. وفي مشهد مديني فني آخر، تحوّل تداخلات أسيل العمودي التصميمية العناصر العادية في الشوارع من مقاعد وجدران إلى عمل تفاعلي مختلف يمزج المادة والإضاءة في المشهد اليومي المألوف. طبيعة الضوء الغير ملموسة والمتعددة الاستخدامات تجعله وسيطًا للتعبير عن التعقيدات التي يحملها المكان وسكانه وثقافته كتخيل جماعي تتعايش الخبرات المتعددة به وتتراكم على مر الزمن. يسلط عمل بولين ديفيد "جناح أفق ضوء القمر" على مرور الزمن في فضاء مضاء بضوء القمر في حديقة الملك عبدالله، بينما يترجم عمل دانيال بورن ضوء الشمس إلى عدد لا يحصى من الألوان في سبيل تحليل الحقائق المخفية، تتيح تقنية العرض الضوئي الحكي المرئي متعدد الطبقات، سواء كان حقيقة أو خيا لًًا. يتم عرض الصور الناتجة عن الذكاء الاصطناعي على مبنى من قٍبل دانية الصالح. بينما تعطي أعمال هشام برادة وبسمة فلمبان التركيبية مكانة بارزة للطبيعة في أماكن أخرى من المدينة. وفي عمل دان روزجاردي ، تغمر المياه المدينة في مشهد فيضان افتراضي. يستخدم فنانون آخرون من سمات الصور المتحركة لينغمس الجمهور في أعمال تعكس التجارب الشخصية. ويستخدم عدد من الفنانين موادًا لثني الضوء وتحويله، ليؤثروا على إدراكنا وتصوراتنا للأمور. ويستخدم المشروع الذي يقوم به الثنائي ناصر الملحم وتمارا كالو موادًا مختلفة لاستكشاف التقارب بين ما هو قديم وما هو جديد في جميع أنحاء مدينة الرياض، فيستخدما الإسمنت الممزوج بالطين الذي يذكرنا بجدران الطوب التقليدية التي تمثل الماضي، ولمسة عصرية وردية معدنية ترمز إلى الحاضر. كلاهما يقدم تحولًًا في الرؤية إذ تختلف نظرتنا للمدينة، لتعبر المادة التقليدية عن معانٍ جديدة، في حين أن الشكل المعكوس يعكس المدينة المحيطة بشكل مختلف يتغير من خلال تدرج لون ومنحنى سطح المدينة البارز. وفي "الأفق الضوئي" لسابين مارسيليس في وادي نمار، يتفاعل هذا العمل بشكل جميل مع ضوء الشمس الطبيعي أثناء النهار، ثم يتحول في الليل عند تنشيط مصدر الضوء في الداخل ليجعل ألواح العمل نصف شفافة، فيسمح النطاق الواسع للضوء بخوض تجربة فريدة تدعو المارة إلى الانتقال عبر"الأفق" واستكشاف جوانبه العديدة. يقدم الضوء، مثلما يعرض فنانو نور الرياض، لوحة متنوعة ومتكاملة يمكن من خلالها للفن المعاصر أن يتحقق بفضل عدد لا نهائي من الروابط والتطبيقات والتأثيرات. تبرز طوال الاحتفال مجموعة من الأعمال الإبداعية التي تستخدم التقنيات القديمة والتكنولوجيا الحديثة لتسرد قصص الماضي والمستقبل، وذلك بالفيديو والنحت والأعمال التركيبية والتجارب التفاعلية الغامرة مثل "أراك ألمع في الظلام" لمهند شونو، الفنان الذي كان ممثلًًا عن المملكة العربية السعودية في بينالي البندقية للفنون لعام 2022 تقدم الأعمال جميعها، كونها أعمال فنية معروضة في الفضاء العام، حالة للفن والأحلام التي تتشكل معه كشيء يمتلكه الجميع بغض النظر عن الخلفيات والخبرات واللغات. في حين أن فكرة النظر إلى الأفق قد تكون طاغية، فإن الأعمال الفنية لنور الرياض بطرقها المختلفة قد تلعب دور البوصلة، أو الأبراج الإرشادية وليس فقط أعمال يٌنظر إليها إنما هي توجه تلهم الآخرين لتحقيق أحلامهم. وهكذا، تنطلق النسخة الثانية من نور الرياض مقدمةً أحلامها بآفاق جديدة تكون البداية لشيء أكبر لكل من يمر عبره.


تواصل معنا