يختلف اسكتشاف الرياض في وضح النهار تماماً عما هو في الليل. ففي النهار، يطغى الانعكاس المتلألئ لأشعة الشمس على الهندسة المعمارية العظيمة للمدينة. وفي المساء، يتغير الطابع الحضري جذرياً، ويحيط بالمدينة وهج الضوء المنبثق من مصابيح الشوارع والمباني وآلاف الأضواء اللامعة من نوافذها، وتغمر المدينة أجواءٌ من السكينة والهدوء. تضفي لمسات الضوء وحدّته طابعاً حسياً على البيئة المحيطة، ويمكنها تحويل المكان المألوف إلى مكان جديد ومختلف كلياً.
كما يمكن للضوء أن يركز على بعض التفاصيل ويبرزها، أو عكس ذلك حيث يؤكد على الظلام المجاور. إن ضوء المصباح، والضوء المنعكس من لوحة أو صورة، والضوء كحامل للمعلومات، والضوء كظاهرة طبيعية، هو تلك القوة الهائلة القادرة على عكس وتشكيل عالم خاص بها، متجاوزةً حدود الزمان والمكان. يُعدّ الضوء أحد أهم عناصر ربطِ البشر ببعضهم البعض، وربطِ الإنسان بالطبيعة. إن الضوء ملكنا جميعاً، ويؤثر مباشرة على مشاعرنا وصحتنا الجسدية ومزاجنا وشهيّتنا ويقظتنا. فضلً عن ذلك، يؤدي الضوء دوراً حيوياً في حياتنا اليومية، فهو أداة مهمة في تلبية احتياجات عالمنا في القرن الحادي والعشرين. وتعمل تقنيات الضوء على حماية الأمن والسلامة، وتوفير الطاقة المستدامة، وتحسين خيارات الإضاءة في المناطق الريفية، وتمكين التواصل عبر الإنترنت، وتبشر بإمكانيات لا محدودة لتحسين ظروفنا الإنسانية وحماية الأرض. والأهم من ذلك، أن مصدر الضوء الجماعي العظيم، وهو الشمس، يسهم إسهاماً كبيراً في ماهية حياتنا على الأرض. فتحت شعار "تجمعنا سماء واحدة"، ولتكريم فكرة التآزر هذه، دعونا فنانين من جميع أنحاء العالم ليقدموا مجموعة مختارة من ثلاثة وثلاثين عملاً فنياً يكون الضوء فيها أهم وسيلة للتعبير. كثير من أولئك الفنانين والمصممين يستخدمون الضوء كوسيط لهم، بينما يشير إليه آخرون بطريقة أكثر مفاهيمية وفلسفية، ويتناولون قوة الضوء بمعناها المجازي: الضوء كقوة تنويرية، كقوة يمكن أن ترسّخ لدينا جميعاً الحس المعرفي وفهم الماضي والحاضر والمستقبل. وتتنوع الأعمال الفنية المعروضة من أعمال ضخمة مضافة كتدخلات إبداعية على واجهات أبنية معروفة، إلى أخرى متفاعلة مع البيئة الطبيعية أو تقف وقفةً تأمليةً على الضوء كظاهرة طبيعية ومصدر للطاقة. وثمة فنانون استعانوا بالضوء للبحث في تصورنا عن العالم المحيط بنا، وآخرون جسّدوا أشكالاً رائعةً من خلال التلاعب بالضوء والألوان والظلال. وتشترك جميع هذه الأعمال الفنية في قدرتها على التأثير في الجمهور، فهي تجارب استثنائية من خلال وسائط مرئية تخلق لقاءات فريدة ومعبّرة وتعزز الروابط والأفكار. وعلى الرغم من تأكيدنا على الطبيعة العالمية لفعالية من هذا النوع من خلال مجموعة أعمال فنية منتقاة من شتى أنحاء العالم، إلا أنه كان من المهم الأخذ في الحسبان الطرق التي يمكنها أن تُضيء مشهداً فنياً محلياً مزدهراً، ما يتيح فرصاً لدراسة توجهاته المستقبلية والجذور التي تغذيه. ولتجسيد الهوية الجماعية للرياض، كمدينة وكمجتمع، اخترنا مجموعةً من الفنانين المعروفين والصاعدين المقيمين في الرياض لتقديم أعمال إنشائية فنية مخصصة للمكان تتفاعل بشكل خلّق مع تاريخ مدينتهم وطبيعتها.
إن دلالة الضوء الإيجابية والروحية المتأصلة جعلت منه أفضل وسيلةً لفناني الرياض لتضميد حنينهم إلى وجه المدينة دائم التغير. لقد خلقت حماسة الانتقال إلى مستقبل واعد شعوراً خفياً بالقلق لدى البعض منهم، وهوشعور يمكن أن نعزيه إلى مخاوف من فقدان مكانهم الآمن، وكينونتهم الجسدية أو العقلية، وما يربط هذه الأعمال الإنشائية للفنانين المحليين هو فكرة التواصل مجدداً في لحظة واحدة يمكن للجمهور استيعابها قبل المضي قدماً إلى المستقبل. وتقدم بعض الأعمال تجارب مجازية ترمز إلى كيفية تكوين المجتمع السعودي، مثل الصاعقة التي تضرب الأرض وتخلق أشكالً فريدة من البرق، أو تصف شعور المرء عند إدراك وجوده، مثل المشهد المُكّبر لفكرة محترقة، أو الظل المتحرك لجسم ثابت. ويلجأ آخرون إلى قوة الصلوات والقصائد والأصوات والضوء والألوان والأشكال لخلق تجارب روحية تتجاوز العالم المادي وتسافر عبر الزمان والمكان. إن هذا الاحتفال يشكل فرصةً مثاليةً للاحتفاء باثنين من الرواد
السعوديين الذين أسهموا في تاريخ الفن في الرياض، وهما محمد السليم وعلي الرزيزاء، اللذين أصبحت أعمالهما جزءاً من الذاكرة الجماعية للمدينة. لذا تم اختيارها كأساس لعملين إنشائيين هامّين تحيةً لهما لقاء قدرتهما على التكيف مع التغيير في سبيل التغلب على التحديات التي واجهاها. إن هذين العملين تذكير بأنه إذا أمكن القول بأن هناك صفة ثابتة لمدينة الرياض، فإنها حتماً ذلك التغير الجذري المستمر لوجه المدينة.
إن هذا العرض العام للأعمال الفنية الخاصة باحتفال نور الرياض سيحول المدينة لمدة أسبوعين إلى متحف كبير مفتوح، ما يمنح سكان الرياض لمحة عن عالم فن الضوء المعاصر بطريقة يمكن معايشتها. وذلك إسهام قيّم لسنوات من الجهد المبذول لإخراج الفنون المرئية من المكعب الأبيض ووضعها في المساحات المفتوحة، أي أقرب إلى الجمهور، خاصةً أولئك الذين لا يمكنهم الذهاب إلى متحف للاستمتاع بالفن.إن التفاعل مع المساحة العامة للعديد من الأعمال الفنية المعروضة بخصائصها المعمارية وطبيعتها الفريدة، يضيف بُعداً جديداً وجاذبية خاصة. فمن خلال مواقعها المحددة، ترتبط التركيبات الفنية ارتباطاً وثيقاً بالمدينة وصورتها وتجاربها. وبذلك، فإن بعض الأعمال الفنية تحيي الذكريات وتزيّنها، والبعض الآخر يبعث على الدهشة والتفكير.
ومن خلال استغلال المساحات العامة، يصبح المعرض متاحاً للجميع، ويجمع الناس والفنانين والمقيمين والزوار. فهم يمنحون المدينة معاً معنى جديداً، تماماً كالفن ذاته الذي سيصل إلى جمهور جديد. لذلك، فإن نور الرياض قادر على فتح أبواب عالم الفن شبه المغلقة، أمام جيل جديد من عشاقه.
إيمان الجبرين
قيّم فنّي
بام تونين
قيّم فنّي
فينشنزو دي بيلّيس
قيّم ومستشار للأعمال الفنية العالمية